في التفاتة نبيلة غير مسبوقة اختارت إدارة مهرجان وجدة الوطني لفيلم الهواة ، في نسخته الثالثة من 25 إلى 28 أكتوبر الجاري ، تكريم شخصية وطنية عرفت بجديتها واستقامتها وتواضعها وحبها الكبير للفنانين والمثقفين ودعمها اللامشروط لتظاهراتهم المختلفة . يتعلق الأمر بالأستاذ أحمد حمدي ، العامل والوالي السابق لصاحب الجلالة على عدة أقاليم وجهات بالمملكة من بينها الجهة الشرقية ، الذي يعود له الفضل في تشييد أهم البنيات التحتية الثقافية بمدينة وجدة وغيرها ، والذي كان سندا قويا لمهرجانات لازالت قائمة لحد الآن ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة والمهرجان الدولي للمسرح الجامعي بالدار البيضاء (ابن مسيك – سيدي عثمان) وغيرهما ...
لقد كان هذا السياسي المحنك والوطني حتى النخاع رجل المهام الصعبة ، إذ تقلد أعلى المناصب في وزارة الداخلية وأثبت عن جدارة كفاءته فيها. كما كانت نظرته شمولية لشؤون الأقاليم التي أشرف على إدارتها ، تداخل فيها الأمني بالإجتماعي والإقتصادي والثقافي . بل كانت الثقافة والفنون أحيانا من الأولويات في اهتماماته كمسؤول إقليمي أو جهوي ، لأنه كان يرى أن تثقيف الساكنة وتهذيب أذواق وسلوكات الشباب بواسطة الفنون والرياضات المختلفة أفضل وسيلة لتجنيبهم آفات الإنحراف والتطرف والإنغلاق .
لازلت أذكر ذلك الصباح الجميل بتازة الذي استضاف فيه السيد أحمد حمدي ، لتناول وجبة الفطور معه بمنزله ، أعضاء فرقة مسرح محمد الخامس برئاسة الفنان والفكاهي الكبير الحاج محمد الجم وبعض ضيوف التظاهرة الفنية ، التي نظمها الناقد السينمائي الصديق خالد الخضري عندما كان مندوبا للثقافة بتازة ، وكنت واحدا منهم .
لقد كان فطورا مغربيا قحا بحريرته وخبزه وبيضه ورغيفه وشايه وحليبه وقهوته وكل ما عرف به المطبخ المغربي الأصيل من صنوف الأطعمة والأشربة . استقبلنا وكأنه يعرف كل واحد منا من زمان ، وببساطته وبشاشته وتواضعه لم يشعر أي منا بأنه في بيت مسؤول كبير في الدولة .
أعتقد أن كرمه وتشجيعه للتظاهرات وتعاطفه مع الفنانين والمثقفين كان ولا يزال يشكل شيمة من شيم هذا الرجل النبيل الذي يستحق منا جميعا كل الإحترام والتقدير نظرا لما أسداه من خدمات جليلة لبلده ومواطنيه .
فتحية للأستاذ أحمد حمدي ولكل من فكر من قريب أو بعيد في إعادة الإعتبار له من خلال هذا التكريم الوجدي المستحق ، وتحية لجمعة رسالة الفن للتنمية والإبداع ، الجهة المنظمة لمهرجان وجدة الوطني لفيلم الهواة ، وشبابها المتحمس وعلى رأسهم الدينامو عز الدين .